السؤال:
هل يفضل / يجوز الترحم على الدكتور محمد رمضان البوطي ؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
الأخ الكريم السائل عن جواز الترحم على الشيخ البوطي:
انقسم الناس حول هذه المسألة إلى ثلاثة أصناف:
الأول والثاني على طرفي نقيض، والثالث وسط بينهما.
فالصنف الأول قالوا: لا يجوز الترحم عليه؛ لوقوفه مع الملحدين من حكام سوريا ونصرته لحزب البعث العلماني الذي حارب الإسلام وأذاق أهله الهوان، ثم بتأييده المستمر لنظام الإجرام في مواجهة المستضعفين المطالبين بحريتهم وكرامتهم. وأضاف أنّ البوطي قد فاق كل علماء السوء في العصر الحاضر، وتفوق عليهم في ممالأته للطاغية حافظ الأسد النصيري الذي قتل أكثر من ثلاثين ألفا من أهل السنة في حماة، ولم يرتجف له جفن، ثم جاء ولده بشار، وسار على نهج أبيه في البطش والإجرام، فقتل الآلاف، حتى وصل عدد القتلى بحسب الأمم المتحدة: ما يزيد على مئة ألف مسلم من أهل السنة، ومع ذلك كان البوطي درعاً واقيا مدافعا عن الأسد، برغم ظلمه وبغيه وإجرامه. كما صدرت من البوطي أقوال تعد من نواقض الإسلام الواضحات، فقد أقسم بالله أنّ حافظ الأسد في الجنة، وأنّ ابنه باسل في الجنة، وافترى على الله الكذب حين وصف بشاراً القاتلَ للأطفال والنساء بأنه شبيه بأمير المؤمنين، وشبه جيشه المنتهك للمحرمات كلها بالصحابة الكرام، وكان يفتي بوجوب القتال مع الجيش ضد المجاهدين.
فيخلص هذا الفريق من الناس إلى القول بأنّ ما فعله البوطي هو عدوان صارخ على العقيدة الإسلامية، وتضييع لمعالم التوحيد. والطريق الذي اختاره البوطي فيه التباس الحق بالباطل وتوهين قواعد الولاء والبراء، وكسر حاجز النفرة بين المتقين والفاجرين، وتقريب أهل الباطل من أهل الحق، وهذا ينافي قولَه تعالى: (وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأتعام، 55] وقولَه تعالى: (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة، 42]
فيخلص هذا الفريق إلى أنّ التهوين من ضلالات البوطي فيه نصرة للعقائد المنحرفة؛ كالجهمية والمرجئة، الذين يحصرون الإيمان بالتصديق القلبي فقط، وأنّ الأعمال لا تزيد الإيمان ولا تنقصه، وأنّ المسلم يبقى مسلماً مهما صدرت منه أقوال أو أفعال كفرية ما دام مصدقا بقلبه.
ويضيف هذا الصنف بأنّ التقليل من جريمة البوطي خيانة لدماء الشهداء، وجرح لمشاعر الثكالى من النساء واليتامى من الأطفال، الذين ما حل بهم ما حل إلا بفتاوى البوطي والحسّون وأمثالهما من أرض الكنانة والإسلام.
أما الصنف الثاني قالوا: إنّ البوطي عالم مشهور، من العلماء الربانيين من أهل الشام، وكان يبكي أثناء درسه خوفا من الله، كما أنّ للبوطي كتباً في العلم، ومن أجودها كتابه في السيرة النبوية، الذي كان مرجعا من مراجع الحركات الإسلامية، ثم إنّ البوطي مات مقتولا أثناء إلقائه لدرس في الدين وهو في بيت رب العالمين، فيجب الترحم عليه والاستغفار له.
أما الصنف الثالث قالوا: على الرغم من خطأ الشيخ البوطي في حق الثورة السورية، وكان مِعْولا للبطش في أيدي الظلمة، وأيَّد الباطل وهو يظن أنه سيطفىء نار الفتنة، فهو جاهل بالسياسة غافل عما يجري، ومما يؤيد هذا: أنّه لم يؤيد النظام لمنصب دنيوي أو لكسب مادي، فهو زاهد في هذا، بحسب ما أخبر عنه المقربون منه، فما فعله للنظام كان بدون مقابل مادي، وهو بخلاف ما يفعله المفتن حسّون. ثم قيل أنّ الرجل قد غير لهجته بالنسبة للنظام في أيامه الأخيرة، وأخذ أسلوبه يتجه نحو تأييد المجاهدين، والدليل على ذلك كما يقولون: محاولة تهريب عائلته إلى خارج سوريا، وأنّ النظام قد علم بهذه المعلومات، فأسرع بقتله قبل أن يفسد عليه الناس. فإن كان ما نقل عنه صحيحاً فالترحم عليه جائز.
ومن خلال الاطلاع على الآراء الثلاثة: نجد أن الرأي الأول هو المسدد من حيث الأدلة والبراهين والواقع المعاش.
والرأي الثاني هو محض عاطفة، والعاطفة لاتبنى عليها أحكام.
أما الرأي الثالث: فيرجع إلى إحسان الظن بالمسلم، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((إدرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم لمسلم مخرجا، فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ بالعقوبة)) رواه الترمذي، وفي سنده ضعف.
ومن هذا المنطلق نقول بأنه لا بأس بالقول الثالث.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.