السؤال:
شيخنا الفاضل ، قضية إرضاع الكبير ، التي وردت عن السيدة عائشة رضي الله عنها ، ما حقيقة هذا الأمر ، لأن هناك بعض الشيعة يحجوننا به لينقصوا من قيمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها …
( ما ورد في كتاب صحيح سنن أبي داوود للشيخ الألباني ) (حسب بعض مشايخ الشيعة ، لم أتأكد من صحة قوله)
فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة ان يراها أو يدخل عليها وان كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها ، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي أن ييدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس حتى يرضع من المهد، وقلن لعائشة والله ما تدري لعلها كانت رخصة من الرسول صلى الله وسلم لسالم دون الناس.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الأخ الكريم السائل عن رضاعة الكبير، هل هي محرمة أم لا.
هذا الموضوع كثر حوله اللغط، واستغله أهل السفاهة ممن لا خلاق لهم، واعتبروه مثلبة في دين الله تعالى.
كما أني أشفق على من يطرح هذه المواضيع من المنتسبين إلى العلم على الملأ دون ضوابط تضبطها أو حدود تحدها؛ ليثيروا الشبهات، فيكون إفسادهم أضعاف ما أرادوا من إصلاح، والله تعالى يقول : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة النحل 125
فأين الحكمة من المواضيع التي تثير الريبة والشك؟ ثم أين الأمانة العلمية في طرح معضلة من وجهة نظر واحدة وأخذ حكمها المرجوح مع إغفال الرأي الثاني وهو الراجح ؟
فأين الموعظة الحسنة من نشر المرجوح وترك الراجح ؟
إننا في عصر نحتاج فيه إلى علماء يعيشون واقع الأمة، ويتلمسون سبل الخلاص لها مما هي فيه من هجمات أعداء الإسلام، لا إلى أناس يثيرون الشبهات والشكوك في الدين الخاتم الذي ارتضاه الله للناس، وحول رسوله الذي بعثه الله رحمة للعالمين.
والموضوع أساسه ما ورد في مسلم : عن عائشة رضي الله عنها : أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيته، فأتت تعني ابنة سهيل النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت : إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وأنه يدخل علينا، ,إني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة )) فرجعت فقالت : إني قد أرضعته، فذهب الذي بنفس أبي حذيفة.
وفي رواية لمسلم أيضا : فقالت : إنه ذو لحية، فقال : (( أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة ))
قال الإمام النووي في شرح الحديث : قال القاضي : لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها، ولا التقت بشرتاهما. ا.هـ.
وقد أخذت عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث، ولم تره خاصا بسالم مولى أبي حذيفة، بينما رأت بقية أمهات المؤمنين بأنه خاص بسالم، ولا يقاس عليه غيره؛ لما رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول : أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يُدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاع، وقلن لعائشة : والله ما نرى هذا إلا رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة.
وجمهور العلماء على أن الرضاع المحرم لا يتوقف على مص اللبن من الثدي، بل لو وضع في إناء وشرب منه الطفل كان ذلك رضاعا معتبرا.
قال ابن قدامة : قال الشافعي : والسعوط كالرضاع، وكذلك الوجور. ا.هـ.
ومعنى السعوط : أن يصب اللبن في أنفه من إناء أوغيره.
ومعنى الوجور : أن يصب في حلقه صبا من غير الثدي.
جاء في الكافي : إن حلبت في إناء دفعة واحدة أو في دفعات ثم سقته صبيا في خمسة أوقات فهو خمس رضعات؛ فإن التحريم يثبت بهن. ا.هـ.
وهذا والله أعلم ما حصل لسالم مولى أبي حذيفة، فقد حلبت له وسقته، وهذا خاص بسالم دون غيره كما يقول جمهور أهل العلم؛ فإن السنة المطهرة لم تثبت غير هذه الحادثة التي أذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة.
أما الشق الآخر : فإن رضاع الكبير لا يحرم كما يقول جمهور أهل العلم، وإنما الرضاع المحرم ما كان في الحولين؛ لما رواه الترمذي وابن ماجة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )) صححه الألباني.
قال الإمام الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؛ أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئا.
قال ابن قدامة في المغني : من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين، وهو قول أكثر أهل العلم، قال بذلك من الصحابة : عمر وعلي وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة رضي الله عنهم، وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين سوى عائشة رضي الله عنها. ا.هـ.
ومن الأئمة : الشافعي وأبو يوسف وإسحاق والشعبي وابن شبرمة والأوزاعي وأبو ثور. وعن مالك : إن زاد شهرا أو شهرين عن الحولين حرم
وعن أبي حنيفة : قال يحرم الرضاع إلى ثلاثين شهرا (سنتان وستة أشهر)
فكما نرى أن الجمهور على أن الحرمة في الصغر دون الحولين ومن زاد إلى الحولين ونصف، أما ما زاد عن ذلك فلا يحرِّم الرضاعُ.
أما قول عائشة رضي الله عنها بتحريم الرضاع في الكبر فهو اجتهاد منها والمجتهد إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد؛ فهي مجتهدة ومأجورة في كلا الحالين.
ودليل ذلك عدم موافقة بقية أمهات المؤمنين لها رضي الله عنها؛ لما رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها : كانت تقول : أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن أحد بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة : والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة.
رضي الله عن أمهات المؤمنين؛ فقد قلن كلاما فصلا يكتب بماء الذهب؛ عندما قلن : والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة.
أما ما يقوله الشيعة في هذا الموضوع وفي غيره فيما يخص أمنا عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تلقي له بالا، وارم به بعيدا؛ فإن حقد هؤلاء على أم المؤمنين أعمى أبصارهم، وربما بصائرهم.
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.