فضيلة الشيخ،
في حوار مع رفيقاتي سألتني إحداهن لماذا دوما تقولون أن الخير من عند الله وأن الشر من عند الناس ؟ فبم أجيب ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
و بعد:
الأخت الكريمة السائلة عن الخير والشر..
من أركان الإيمان أن نؤمن بالقدر خيره وشره.
كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه عمر رضي الله عنه عندما سأل جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم: (وتؤمن بالقدر خيره وشره)
إلتبس على بعض الناس فهم هذه الآيات وظنوا أن فيها تعارضا، قال تعالى: (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا) النساء 78.
وقوله تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) النساء 79.
والجمع بين قوله تعالى: (قل كل من عند الله) وبين قوله: (فمن نفسك) يعني أن الخصب، والجدب، والنصر، والهزيمة كلها من عند الله.
و قوله : (فمن نفسك) أي ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك، كما قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) الشورى 30.
يؤيد هذا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قرأ: (وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك) أخرجه ابن المنذر في الدر المنثور.
والمراد بالحسنة هنا النعمة، والسيئة البلية، وقيل: الحسنة الطاعة والسيئة المعصية، وقوله تعالى: (ما أصابك من حسنة) و(من سيئة) مثل قوله: (إن تصبهم حسنة) و(إن تصبهم سيئة) وفرق تعالى بين الحسنات التي هي النعم وبين السيئات التي هي المصائب، فجعل هذه من الله وهذه من نفس الانسان، لأن الحسنة مضافة إلى الله، إذ أحسن من كل وجه فما من وجه من وجوهها إلا وهو يقتضي الإضافة اليه، أما السيئة فهو يخلقها لحكمة، وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه، فإن الله لا يفعل سيئة قط بل فعله كله حسن وخير.
وفي الاستفتاح كان يقول صلى الله عليه وسلم : (والخير كله في يديك والشر ليس إليك) أخرجه مسلم.
أي أنك لا تخلق شرا محضا بل كل ما تخلقه ففيه حكمة هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس، فهذا شر جزئي إضافي، فأما شر كلي أو مطلق فالله سبحانه منزه عنه، وهذا الشر الذي ليس إليه.
و في قوله تعالى : (فمن نفسك) أي أن العبد لا يطمئن إلى نفسه ولا يسكن إليها، فإن الشر كامن فيها، لا يجيء إلا منها، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساءوا اليه فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه، فيرجع الى الذنوب، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله، ويسأل الله أن يعينه على طاعته، فبذلك يحصل له كل خير ويندفع عنه كل شر بفضل الله وتوفيقه. و الله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.